تشهد مصر في السَّنوات الأخيرة تحرُّكات واضحةً نحو توطين صناعة الأطراف الصِّناعيَّة والأجهزة التَّعويضيَّة، في خطوة تستهدف توفير الدَّعم اللُّوجستيِّ والطِّبِّيِّ للأشخاص ذوي الإعاقة، والحدُّ من الاعتماد على الاستيراد، ودمج هذه الفئة في سوق العمل والمجتمع بشكل فعليّ. وقد لاقى هذا التَّوجُّه اهتمامًا واسعًا من مؤسَّسات الدَّولة، حيث أعلن فخامة الرَّئيس عبد الفتَّاح السِّيسي في أكثر من مناسبة ضرورة دعم وتطوير هذا القطاع، ضمن رؤية أوسع لتوطين الصِّناعة وتحقيق الاكتفاء الذَّاتيِّ في المجالات الحيويَّة.

في هذا السِّياق، جاء تأسيس المجمَّع الصِّناعيِّ للأطراف الصِّناعيَّة في المنطقة الاقتصاديَّة لقناة السُّويس كخطوة نوعيَّة، حيث يتوقَّع أن يلعب دورًا محوريًّا في تأمين الأطراف الصِّناعيَّة محلِّيًّا وتقديم خدمات متطوِّرة للأشخاص ذوي الإعاقة. ووفقًا لما نشره موقع ” الشَّرق بلومبرغ ” في 21 مايو 2024، فإنَّ هذا المشروع يعدُّ جزءًا من خطَّة متكاملة لزيادة الاعتماد على التَّصنيع المحلِّيِّ ونقل التِّكنولوجيا الحديثة إلى السُّوق المصريَّة، بالتَّعاون مع شركات دوليَّة متخصِّصة.

في موازاة التَّوجُّه الرَّسميِّ، برزت تجربةً أعمق وأكثر تجذُّرًا في النَّسيج المجتمعيِّ تقودها مؤسَّسة الدُّكتور أحمد جمعة للتَّنمية الإنسانيَّة المستدامة بمحافظة أسيوط، الَّتي تأسَّست عام 2023. وضعت المؤسَّسة دعم الأشخاص ذوي الإعاقة على رأس أولويَّاتها، ليس من منطلق خيريّ تقليديّ، بل عبر رؤية تنمويَّة تركِّز على الدَّمج الفعليِّ والمستدام. ويجسِّد مصنع الأجهزة التَّعويضيَّة التَّابع لمركز التَّأهيل الشَّامل (بنين ) ، الَّذي تديره المؤسَّسة، نموذجًا عمليًّا لهذا التَّوجُّه، إذ تعمل المؤسَّسة على تصميم وتصنيع أطراف صناعيَّة بجودة عالية وتكلفة منخفضة، بالإضافة إلى تقديم خدمات التَّأهيل والعلاج الطَّبيعيِّ، بالتَّعاون مع فريق من المتخصِّصين.

ما يميِّز تجربة مؤسَّسة الدُّكتور أحمد جمعة هو ارتباطها بالواقع الميدانيِّ في صعيد مصر، حيث يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة من ضعف الخدمات، وغياب فرص التَّأهيل والتَّدريب، وارتفاع تكلفة الأطراف المستوردة. ومن هنا، تقوم المؤسَّسة بدور مضاعف: فهي توفُّر الجهاز التَّعويضيِّ وتضمَّن في الوقت ذاته دمج المستفيد في الحياة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، عبر برامج تدريب على الحرف والصِّناعات اليدويَّة، ودورات دعم نفسيّ واجتماعيّ.

تعمل المؤسَّسة بشكل مستمرّ على توسيع شبكة شراكاتها مع عدد متزايد من الجامعات المصريَّة والمراكز الصِّحِّيَّة والمؤسَّسات الأهليَّة، بهدف تعزيز قدراتها وتوسيع نطاق خدماتها لتشمل أكبر عدد ممكن من المستفيدين. تتيح هذه الشَّراكات تبادل الخبرات والموارد، وتدريب الكوادر الفنِّيَّة، وتطوير برامج التَّأهيل والعلاج بشكل مستدام ومتجدِّد، حيث إنَّه من الضَّروريِّ أن يشهد صعيد مصر حراكًا متزايدًا ونموًّا ملموسًا في مجال تقديم الخدمات لذوي الإعاقة، لتصبح المبادرات المجتمعيَّة مثل مؤسَّسة الدُّكتور أحمد جمعة دعائم أساسيَّةً لهذا التَّغيير المستمرِّ، مؤثِّرةً بشكل مباشر في تحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم اجتماعيًّا واقتصاديًّا.

تكتسب التَّجربة المجتمعيَّة للمؤسَّسة أهمِّيَّةً خاصَّةً عند مقارنتها بالتَّجارب الحكوميَّة، إذ تتعامل مع المستفيدين من منظور الحقوق وليس المنح أو العطاءات المؤقَّتة. تسعى المؤسَّسة إلى بناء نموذج إنتاجيّ تشاركيّ يتيح دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في العمليَّة التَّنمويَّة بشكل فعليّ ومستدام، مع إمكانيَّة تعميم هذا النَّموذج على مناطق أخرى داخل الجمهوريَّة. وجود المؤسَّسة في محافظة مثل أسيوط يعكس قدرة نقل مشروعات التَّنمية من المركز إلى الأطراف، ويعيد الاعتبار للدَّور الحيويِّ لمنظَّمات المجتمع المدنيِّ في قيادة التَّحوُّل الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ، تحقيقًا للرُّؤية الاستراتيجيَّة الثَّاقبة لفخامة الرَّئيس عبد الفتَّاح السِّيسي، رمز الإرادة الوطنيَّة ومحرِّك النَّهضة التَّنمويَّة الشَّاملة في مصر.

إنَّ توطين صناعة الأطراف الصِّناعيَّة في مصر لا يقتصر على إنشاء منشآت كبرى أو وضع سياسات حكوميَّة فقط، بل هو عمليَّة عميقة تتطلَّب احتضان المبادرات المجتمعيَّة الرَّائدة الَّتي تعيد تعريف ذوي الإعاقة كشركاء فاعلين في التَّنمية لا كعبء. مؤسَّسة الدُّكتور أحمد جمعة للتَّنمية الإنسانيَّة المستدامة تمثِّل نموذجًا حيًّا لهذا التَّحوُّل النَّوعيِّ، مبرهنةً أنَّ جذور التَّنمية الحقيقيَّة تنبثق من القاعدة الاجتماعيَّة، وتتأسَّس على العلم والإرادة الصُّلبة، وعلى انحياز أصيل للكرامة الإنسانيَّة وتمكينها، الَّذي يسعى إليه ويدعِّمه فخامة الرَّئيس عبد الفتَّاح السِّيسي.

Scroll to Top