
مع تَسارُع التَّحَوُّل اَلرقْمِي وتطوُّر أَدوَات المعْرفة، وتنْفيذًا لِتوْجيهات فَخامَة اَلرئِيس عَبْد الفتَّاح السِّيسي نَحْو بِنَاء اِقتِصاد مَعرفِي قَائِم على التِّكْنولوجْيَا والْإبْداع، تُبْرِز الحاجة إِلى أَفكَار غَيْر تقْليديَّة تَربُط التَّعْليم بِالْإنْتاج، وتعيد لِلْجامعة دوْرهَا الرِّياديَّ بِوصْفِهَا عَقْل الدَّوْلة ومحرِّك التَّنْمية. وَمِن هُنَا يَنبَثِق مُقتَرَح إِنشَاء “رصيد رَقمِي جَامعِي” دَاخِل جَامِعة أَسيُوط، كمشْروع وَطنِي مُسْتقْبليٍّ يَسعَى إِلى تَرسِيخ مَفهُوم الاقْتصاد الجامعيِّ اَلذكِي، وَتعزِيز ثَقافَة المشاركة والْإنْتاجيَّة بَيْن الطُّلَّاب وأعْضَاء هَيئَة التَّدْريس، دُون تَدخُّل خَارجِي أو اِعتِماد على جِهَات تَموِيل خَارِج المنْظومة الأكاديميَّة.
يَقُوم المقْترح على فِكْرَة بَسِيطَة فِي ظاهرها، عَمِيقَة فِي مضْمونها: إِنشَاء رصيد رَقمِي دَاخلِي يُمثِّل قِيمة رَمزِية ومعْنويَّة تَمنَح لِلطُّلَّاب والْعاملين وَفْق مَعايِير مُحَددَة لِلْأدَاء والْمشاركة. هذَا اَلرصِيد لَا يَتَداوَل نقْديًّا خَارِج الجامعة، بل يَستخْدِم دَاخلِها كَوَسيلَة لِتقْدِير اَلجُهود الأكاديميَّة والْبحْثيَّة والْخدْميَّة، وكأدَاة لِتسْهِيل التَّعاملات دَاخِل جَامِعة أَسيُوط.
تَقُوم اَلآلِية المقْترحة على تَخصِيص وَحدَة مَالِية رَقمِية دَاخِل جَامِعة أَسيُوط تُدَار إِلكْترونيًّا بِإشْرَاف أكاديميٍّ مُشتَرَك مِن كُليَّة الآداب، وكلِّيَّة الحاسبات والْمعْلومات، وكلِّيَّة التِّجارة، وكلِّيَّة العلوم، لِتجْسِيد نَمُوذَج مُتَكامِل يَجمَع بَيْن الرُّؤْية الفكْريَّة والدِّقَّة التِّقْنيَّة والْعمْق الاقْتصاديِّ والْموثوقيَّة العلْميَّة. وتتوَلَّى كُليَّة الآدَاب إِعدَاد المحْتوى اللُّغَويِّ لِلْمشْروع وصياغة أَدلتِه الاتِّصاليَّة والْإعْلاميَّة بِاللُّغتيْنِ بِمَا يَضمَن وُضُوح الفكْرة وتفاعل المجْتمع الجامعيِّ مَعَها، فِيمَا تُسْهِم كُليَّة الحاسبات والْمعْلومات فِي تَصمِيم النِّظَام الإلكْترونيِّ اَلمؤْمِن اَلذِي تُسجِّل مِن خِلاله النِّقَاط وتدار آليًّا وَفْق ضَوابِط الحوْكمة الرَّقْميَّة. وَتضَع كُليَّة التِّجارة اَلأُسس الاقْتصاديَّة لِتقْدِير قِيمة اَلرصِيد وَتحدِيد المكافآتِ الرَّمْزيَّة المقابلة لَه بِمَا يَضمَن الاسْتدامة الماليَّة دُون تَحمِيل الجامعة أَعبَاء إِضافيَّةً، بيْنمَا تُشَارِك كُليَّة اَلعُلوم فِي تَحلِيل البيانات ومتابعة مُؤشرَات الأدَاء لِضمان دِقَّة التَّنْفيذ وقياس الأثر العمَليِّ لِلْمشْروع. وَبذَلِك تَتَحوَّل الفكْرة إِلى مَنظُومة وَاقعِية قَابِلة لِلتَّطْبيق دَاخِل جَامِعة أَسيُوط، تُعبِّر عن تَضافُر الفكْر والْإدارة والْعلْم، وتجسِّد رُؤيَة الدَّوْلة المصْريَّة فِي بِنَاء نِظَام جَامعِي ذَكِي يَقُوم على الابْتكار والْإنْتاجيَّة والْمسْؤوليَّة المشْتركة.
ويضاف إِلى ذَلِك نِظَام دقيق لِحساب اَلرصِيد اَلرقْمِي يَضمَن العدالة والشَّفافيَّة، إِذ تَمنَح النِّقَاط وَفْق مُعَادلَة رَقمِية تَعتَمِد على الأوْزان النِّسْبيَّة لِكلِّ نَشَاط عِلْمِي أو إِدارِيٍّ. فالْمشاركة فِي مُؤتَمَر عِلْمِي تَمنَح خَمْس نِقاط، ونشْر بَحْث فِي مَجلَّة عِلْميَّة مَحْكَمة يَمنَح عَشْر نِقاط، والْمساهمة فِي فَعالِية خِدْميَّة أو مُجْتمعيَّة تَمنَح ثَلَاث نِقاط، فِي حِين يَمنَح الالْتزام بِالْحضور والْمشاركة الأكاديميَّة نُقْطتَيْنِ شهْريًّا. وَيُحسَب اَلرصِيد الإجْماليُّ اَلشهْرِي لِكلِّ طَالِب أو عُضْو هَيئَة تَدرِيس بِجَمع النِّقَاط المسجَّلة فِي النِّظام، على أن يُقَابِل كُلُّ عَشْر نِقَاط رَقمِية مُكَافأَة رَمزِية تُضَاف إِلى حِسابه الدَّاخليِّ أو تَمنحُه مِيزَة دَاخِل الجامعة، بِمَا يُعزِّز رُوح المنافسة الإيجابيَّة ويجْعل التَّحْفيز اَلعلْمِي والْإداريُّ جُزْءًا مِن الحيَاة الجامعيَّة اليوْميَّة.
وتتمَثَّل قِيمة اَلرصِيد اَلرقْمِي فِي كَونِه لَيْس بديلا عن المكافآتِ الماليَّة التَّقْليديَّة، بل مُكَملا لَهَا، يَعكِس مُستَوَى المساهمة فِي تَحقِيق أَهدَاف الجامعة الاسْتراتيجيَّة. يُمْكِن لِحامِله اِسْتخْدامه لِلْحصول على مزايَا وخدْمَات مُتَعددَة دَاخِل الحرم الجامعيِّ، مِثْل خُصومَات فِي اَلكُتب الجامعيَّة، وأوْلويَّة التَّسْجيل فِي المؤْتمرات العلْميَّة، أو الاسْتفادة مِن مَرافِق الجامعة البحْثيَّة والتَّدْريبيَّة. كمَا يُتيح اَلرصِيد اَلرقْمِي دَفْع قِيمة السَّكن فِي اَلمُدن الجامعيَّة، وشراء مُنتجَات كُليَّة الزِّراعة مِن الأغْذية والزُّهور والنَّباتات، والاسْتفادة مِن الخدْمات اَلتِي تُقَدمهَا مُسْتشْفيات جَامِعة أَسيُوط، إِلى جَانِب مُخْتَلِف الخدْمات والْمنْتجات اَلتِي تُوَفرهَا كُلِّيَّات الجامعة الأخْرى. وَبِهذَا يَتَحوَّل اَلرصِيد إِلى نِظَام تَحفِيز عِلْمِي وإداريٍّ مُتكامل، يَربُط الأدَاء اَلفرْدِي بِالْعائد المعْنويِّ والْمادِّيِّ، ويجْعل مِن جَامِعة أَسيُوط نموذَجًا مُتقدِّمًا فِي التَّحَوُّل اَلرقْمِي والْإدارة اَلذكِية لِلْموارد والْخدْمات الجامعيَّة.
أَمَّا مِن حَيْث تَموِيل المشْروع، فَإِن الجامعة لَا تَحْتاج إِلى مَوارِد مَالِية جديدَة، بل إِلى إِعادة تَوجِيه نِظَام الحوافز الحاليِّ ضِمْن إِطَار رَقمِي ذكيٍّ. فَكُل نُقطَة رَقمِية تَمنَح تُقَابِل مُكَافأَة رَمزِية محْدودةً، تُخصَم مِن الميزانيَّة المخصَّصة أصْلا لِلْمكافآتِ التَّقْليديَّة، مِمَّا يَجعَل المشْروع اِقْتصاديًّا قابلا لِلتَّنْفيذ دُون أَعبَاء إِضافيَّة. ومع اَلوقْتِ، يُمْكِن أن يَتَطوَّر النِّظَام لِيصْبح جُزْءًا مِن مَنظُومة أَوسَع لِتقْيِيم الأدَاء الجامعيِّ على مُستَوَى الجامعات المصْريَّة.
ولضمَان التَّنْفيذ الفعْليِّ، تَتَولَّى لَجنَة عُليَا لِلْمشْروع تَضُم مُمثِّلِين عن الكلِّيَّات المشاركة إِعدَاد اللَّائحة التَّنْظيميَّة والْمعايير الدَّقيقة لِلتَّقْييم، وتعْمل كُليَّة الحاسبات والْمعْلومات على إِطلَاق نِظَام إِلكْترونيٍّ دَاخلِي لِتسْجِيل الأدَاء وَتحدِيث الأرْصدة تِلْقائيًّا. تَلِّي ذَلِك مَرْحَلة تجْريبيَّة تَمتَد لِفَصل دِراسيٍّ فِي عدد مَحدُود مِن الكلِّيَّات، يَعقُبها التَّقْييم والْمراجعة الدَّقيقة قَبْل التَّطْبيق الشَّامل على مُستَوَى الجامعة.
يَمتَد أثر المشْروع إِلى عِدَّة مُسْتويات. على المسْتوى الأكاديميِّ، يُسْهِم فِي خَلْق بِيئة تنافسيَّة إِيجابيَّة تُحفِّز الطُّلَّاب والْباحثين على الإنْتاج والالْتزام. وَعلَى المسْتوى الإداريِّ، يُعزِّز الشَّفافيَّة والْحوْكمة دَاخِل الجامعة، حَيْث تَوثَّق جميع العمليَّات إِلكْترونيًّا وَتَراجَع دوْريًّا مِن لِجَان مُخْتصَّة. أَمَّا على المسْتوى المجْتمعيِّ، فيعيد الاعْتبار لِدَور الجامعة فِي بِنَاء الإنْسان اَلمُنتج الواعي بِالتِّكْنولوجْيَا والاقْتصاد، بِمَا يَتسِق مع رُؤيَة فَخامَة اَلرئِيس عَبْد الفتَّاح السِّيسي لِبناء الجمْهوريَّة الجديدة القائمة على الرَّقْمنة والْمعْرفة.
يُعَد تَطبِيق مَشرُوع اَلرصِيد اَلرقْمِي الجامعيِّ دَاخِل جَامِعة أَسيُوط نَوَاة لِتجْرِبة وَطَنيَّة قَابِلة لِلتَّعْميم فِي الجامعات المصْريَّة، إِذ يَجمَع بَيْن التَّحْفيز المعْنويِّ، والْإدارة الذَّكيَّة، والاسْتقْلال الماليُّ النِّسْبيُّ، بِمَا يَحُول الجامعة مِن مُؤَسسَة تعْليميَّة تقْليديَّة إِلى مَنظُومة إِنْتاجيَّة مَعرفِية مُتكاملة. وَجامِعة أَسيُوط، بِتاريخهَا اَلعرِيق وريادتهَا فِي خِدْمَة الصَّعيد، مُؤَهلَة لِتكون أَوَّل جَامِعة تُطبِّق هذَا النِّظَام النَّموذجيِّ اَلذِي يُوحِّد بَيْن الفكْر الإداريِّ اَلحدِيث والرُّؤْية الوطنيَّة لِلتَّحَوُّل اَلرقْمِي والْإدارة الذَّكيَّة، اِنْسجامًا مع توجُّهَات الدَّوْلة المصْريَّة وتوْجيهات فَخامَة اَلرئِيس عَبْد الفتَّاح السِّيسي نَحْو بِنَاء اِقتِصاد مَعرفِي قَائِم على التِّكْنولوجْيَا والْإبْداع.
مَشرُوع كَهذَا لَا يَحْتاج سِوى إِلى قَرَار شُجَاع وإرادة مُؤسَّسِيَّة واعيَة، فَهُو لَيْس مُجرَّد مُبَادرَة تنْظيميَّة، بل خُطوَة اِسْتراتيجيَّة تُعيد تَعرِيف دَوْر الجامعة فِي خِدْمَة المجْتمع. إِنَّ قِيمته تَتَجاوَز الأرْقام والْإجْراءات، لِأَنه يُجسِّد رِسالة الجامعة العميقة: أن تَكُون مَركَز إِشعَاع فِكْرِي وتنْمَويٍّ يَخدِم الإنْسان قَبْل المؤسَّسة التَّعْليميَّة، ويجْعل مِن المعْرفة قُوَّة فَاعِلة فِي بِنَاء الوطَن.