
أ. د. ياسر أحمد جمعة
تسير جامعة أسيوط بخطًى واثقة نحو ترسيخ مكانتها كمؤسَّسة تعليميَّة رائدة في مصر والمنطقة، مدفوعةً برؤية طموحة تجمع بين جودة التَّعليم، والبحث العلميُّ الموجَّه للتَّنمية، والانفتاح الدَّوليُّ. فخلال النِّصف الأوَّل من عام 2025، سجَّلت الجامعة قفزات ملموسةً في مؤشِّرات الأداء الأكاديميِّ، وحقَّقت إنجازات نوعيَّة على أكثر من صعيد، بما يعكس إرادةً جادَّةً للارتقاء بالتَّصنيف العالميِّ واستقطاب الطُّلَّاب الدَّوليِّين.
شهدت جامعة أسيوط خلال عام 2025 إنجازات نوعيَّةً رسَّخت مكانتها بين الجامعات المصريَّة والدَّوليَّة. فقد حقَّقت تقدُّمًا ملحوظًا في التَّصنيفات العالميَّة، حيث جاءت في المركز الثَّاني محلِّيًّا وفق تصنيف Times Higher Education Impact 2025، بعدما قفزت أكثر من 100 مركز عالميًّا مقارنة بالعام السَّابق، وظهرت ضمن أفضل 301 – 400 جامعة في مؤشِّر التَّنمية المستدامة. كما برزت الجامعة في 16 تخصُّصًا علميًّا في تصنيف US News Subject 2025، من بينها الهندسة الكيميائيَّة، الطِّبُّ، العلوم البيئيَّة، وعلوم الحاسب.
وعلى صعيد التَّواصل المؤسَّسيِّ، أطلقت الجامعة أوَّل بودكاست رسمي باللُّغة الإنجليزيَّة بعنوان Assiut University News، يسلِّط الضَّوء على أنشطتها وإنجازاتها، في خطوة تعزِّز حضورها الخارجيَّ. كما توسَّعت الجامعة في برامج التَّدريب الإداريِّ والتَّحوُّل الرَّقميِّ، من خلال ورش عمل ودورات متقدِّمة للعاملين وطلبة الدِّراسات العليا، بما يعزِّز من جاهزيَّتها للتَّدويل. ومن جهة أخرى، نظَّمت الجامعة فعَّاليَّات دوليَّةً من بينها ” اليوم العالميِّ لليوغا “، بمشاركة وفد من السِّفارة الهنديَّة وطلَّاب من دول متعدِّدة، في تجسيد فعليّ للانفتاح الثَّقافيِّ والتَّفاعل الأكاديميِّ الدَّوليِّ داخل الحرم الجامعيِّ.
رغم ما أحرزته جامعة أسيوط من تقدُّم ملموس في التَّصنيفات الأكاديميَّة الدَّوليَّة، إلَّا أنَّ هناك فجوة حقيقيَّة بين ما حقَّقته فعليًّا وما تمتلكه من إمكانات بشريَّة وعلميَّة تؤهِّلها لموقع أكثر تقدُّمًا عالميًّا. ولمعالجة هذه الفجوة، نقترح تنفيذ مشروع تطويريّ شامل يتألَّف من ثلاث مراحل رئيسيَّة تهدف إلى تحسين ترتيب الجامعة في التَّصنيفات الدَّوليَّة وزيادة قدرتها على جذب الطُّلَّاب الأجانب، بما يتماشى مع توجُّهات الدَّولة نحو تدويل التَّعليم العالي.
المرحلة الأولى تتضمَّن إنشاء مكتب دوليّ متكامل لإدارة ملفِّ التَّدويل الأكاديميِّ داخل الجامعة. هذا المكتب سيتولَّى مسؤوليَّة التَّنسيق المباشر مع الجامعات العالميَّة لعقد اتِّفاقيَّات شراكة بحثيَّة وتبادل أكاديميّ فعَّال، وهو ما من شأنه أن يعزِّز الإنتاج العلميُّ المشترك ويزيد من ظهور الجامعة في قواعد البيانات الدَّوليَّة. كما سيضطلع المكتب بمهمَّة اعتماد البرامج الأكاديميَّة من هيئات اعتماد دوليَّة مرموقة مثل ABET و AACSB و QS Stars، وهو ما يعزِّز مصداقيَّة البرامج المقدَّمة، ويؤهِّلها للقبول في الأسواق التَّعليميَّة العالميَّة.
أمَّا المرحلة الثَّانية فتتمثَّل في إطلاق برامج دراسات عليا باللُّغة الإنجليزيَّة موجَّهةً خصِّيصًا للطُّلَّاب الدَّوليِّين، وهو توجُّه أصبح معيارًا رئيسيًّا في تقييم مدى جاهزيَّة الجامعات للمنافسة الدَّوليَّة. ويقترح تصميم برامج ماجستير ودكتوراه في مجالات عالية الطَّلب عالميًّا مثل الذَّكاء الاصطناعيِّ، والطَّاقة المتجدِّدة، مع تقديم منح دراسيَّة كاملة أو جزئيَّة تستهدف طلَّابًا من دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللَّاتينيَّة. إلى جانب ذلك، يجب توفير حزمة متكاملة من الخدمات الأكاديميَّة واللُّوجستيَّة للطُّلَّاب الوافدين، تشمل الإقامة الجامعيَّة، تسهيلات التَّأشيرات، وخدمات الإرشاد الأكاديميِّ، ممَّا يضمن تجربةً تعليميَّةً جاذبةً وآمنةً.
وتتمثَّل المرحلة الثَّالثة في إعداد خطَّة تسويق رقميّ دوليَّة تستهدف التَّعريف بالجامعة على نطاق واسع في الأسواق التَّعليميَّة العالميَّة. ويتطلَّب ذلك تطوير الموقع الإلكترونيِّ الرَّسميِّ للجامعة ليكون متعدِّد اللُّغات وسهل الاستخدام، خاصَّة فيما يخصُّ إجراءات التَّقديم والتَّواصل مع الجهات الأكاديميَّة. كما ينبغي تفعيل التَّرويج الرَّقميِّ للجامعة عبر منصَّات تعليميَّة معروفة مثل Study in Egypt و QS Top Universities و StudyPortals، إلى جانب تنظيم مؤتمرات علميَّة دوليَّة سنويَّة داخل الجامعة تظهر مكانتها البحثيَّة وتتيح التَّفاعل المباشر مع المؤسَّسات الأكاديميَّة الخارجيَّة.
يمكن لجامعة أسيوط أيضًا، أن تفتح أفقًا غير تقليديّ في ملفِّ التَّدويل من خلال إطلاق فرع رقميّ افتراضيّ باستخدام تقنيَّات الميتافيرس، حيث يتمُّ تصميم نسخة ثلاثيَّة الأبعاد من الحرم الجامعيِّ تتيح للطُّلَّاب من مختلف أنحاء العالم التَّجوُّل فيه، حضور المحاضرات، والتَّفاعل مع الأساتذة والطُّلَّاب دون الحاجة للسَّفر. هذه الخطوة تعكس استعداد الجامعة للتَّكيُّف مع المستقبل الرَّقميِّ، وتمنحها موقعًا فريدًا في تقارير التَّعليم العالي المهتمَّة بتقنيَّات التَّعليم المتقدِّمة.
وفي خطوة طموحة لتعزيز حضورها الأفريقيِّ، يمكن للجامعة تقديم منحة دراسيَّة كاملة سنويَّة تحت اسم ” أسيوط العالميَّة ” تمنح لأوائل الطُّلَّاب في كلِّ دولة أفريقيَّة. هذه المبادرة لا تقتصر على استقطاب طلَّاب دوليِّين فحسب، بل تبنِّي شبكة خرِّيجين دوليَّةً ترتبط بالجامعة على المدى الطَّويل، وتعزَّز حضورها في القارَّة من خلال علاقات أكاديميَّة وشخصيَّة حيَّة تمتدُّ لعقود.
ولإضفاء طابع رمزيّ على التَّدويل، يمكن إنشاء مساحة ترويجيَّة تفاعليَّة داخل الجامعة تصمِّم على هيئة ” مطار أكاديميّ “، حيث تخصِّص لكلِّ كلِّيَّة بوَّابة تحمُّل لافتات تعريفيَّة رقميَّة بلغات متعدِّدة، وتعرَّض فيها مقاطع تعريفيَّة حول برامج التَّبادل والشَّراكات الدَّوليَّة. هذا النَّموذج يترك انطباعًا دائمًا لدى الزَّائرين، ويقدِّم الجامعة كوجهة تعليميَّة مفتوحة على العالم بروح مبتكرة.
كما يمكن للجامعة الاستفادة من خرِّيجيها المؤثِّرين عبر إطلاق برنامج ” سفراء جامعة أسيوط “، حيث يختار عدد من الشَّخصيَّات العامَّة النَّاجحة في مختلف المجالات لتمثيل الجامعة دوليًّا من خلال حملات إعلاميَّة رقميَّة ومقاطع مصوَّرة بلغات متعدِّدة. تسهم هذه المبادرة في تقديم صورة إنسانيَّة وديناميكيَّة للجامعة، وتظهر أثرها الواقعيَّ في تشكيل كفاءات مؤثِّرة داخل مصر وخارجها.
وعلى مستوى التَّفاعل الثَّقافيِّ الدَّوليِّ، يمكن تنظيم فعَّاليَّة سنويَّة تحت عنوان ” أسيوط تتكلَّم 50 لغة “، تستضيف خلالها الجامعة ممثِّلين طلَّابيِّين من مختلف الجنسيَّات لتقديم عروض علميَّة وثقافيَّة بلغاتهم الأمِّ. هذا الحدث يرسِّخ صورة الجامعة كمؤسَّسة عالميَّة منفتحة على التَّنوُّع، ويجعلها محطُّ اهتمام وسائل الإعلام والمنظَّمات الدَّوليَّة المعنيَّة بالحوار الثَّقافيِّ والتَّعليم العالميِّ.
وفي السِّياق الأكاديميِّ، يمكن تصميم برنامج استثنائيّ يستضيف أساتذة دوليِّين مرموقين من جامعات كبرى لتدريس مقرَّرات قصيرة لمدَّة شهر داخل جامعة أسيوط، ضمن مبادرة ” درس في أسيوط شهرًا “. هذه التَّجربة تضيف بعدًا دوليًّا مباشرًا للتَّعليم في الجامعة، وتسهم في بناء علاقات بحثيَّة رفيعة المستوى، فضلاً عن تعزيز ظهور الجامعة في تقارير التَّعاون الأكاديميِّ العالميِّ.
وتستطيع الجامعة، أيضا، أن تقود التَّميُّز الأكاديميَّ في المنطقة بإنشاء كلِّيَّة متخصِّصة في ” التَّخصُّصات المستقبليَّة “، تقدَّم فيها برامج متداخلة في مجالات مثل الذَّكاء الاصطناعيِّ الأخلاقيِّ، تغيُّر المناخ، اقتصاد البيانات، والعلوم العابرة للتَّخصُّصات. تدريس هذه البرامج باللُّغة الإنجليزيَّة، واستهداف الطُّلَّاب الدَّوليِّين من البداية، يجعل من الكلِّيَّة أداة استراتيجيَّة لتثبيت موقع الجامعة في قلب التَّنافسيَّة التَّعليميَّة العالميَّة.
وبما أنَّ التَّحوُّل الرَّقميَّ بات عنصرًا محوريًّا في تصنيفات الجامعات العالميَّة وقرارات الطُّلَّاب الدَّوليِّين عند اختيار مؤسَّسات التَّعليم العالي، فإنَّ رفع الجاهزيَّة الرَّقميَّة لجامعة أسيوط يعدُّ خطوة استراتيجيَّة لتعزيز مكانتها دوليًّا. في هذا السِّياق، يقترح تبنِّي خطَّة متكاملة تستهدف تحسين أداء الجامعة على مؤشِّر النُّضج الرَّقميِّ والذَّكاء الاصطناعيِّ (AI & Digital Maturity Index – AI- DMI ) ، الَّذي أصبح معيارًا دوليًّا لقياس قدرة الجامعات على توظيف الذَّكاء الاصطناعيِّ، والبيانات، والبنية التَّحتيَّة الرَّقميَّة في الإدارة وصنع القرار. وتشمل هذه الخطَّة تطوير البنية التِّكنولوجيَّة، وتنفيذ برامج تدريب متقدِّمة للهيئة الأكاديميَّة والإداريَّة، وتكامل أدوات الذَّكاء الاصطناعيِّ في العمليَّات التَّعليميَّة. من شأن هذا التَّوجُّه أن يعزِّز ظهور الجامعة في مؤشِّرات مثل Times Higher Education و QS، وأن يجعلها أكثر جذبًا للطُّلَّاب الدَّوليِّين الَّذين يبحثون عن بيئة تعليميَّة معاصرة وآمنة ومتقدِّمة رقميًّا.
ما تحقَّق في جامعة أسيوط لا يمكن اختزاله في أرقام أو تصنيفات فقط، بل هو مؤشِّر على حراك مؤسَّسيّ عميق يهدف إلى أن تكون الجامعة مركزًا علميًّا دوليًّا في قلب الصَّعيد المصريِّ. وإذا ما تمَّ تنفيذ مشروع التَّدويل الأكاديميِّ المقترح، ستتحوَّل الجامعة من مؤسَّسة وطنيَّة عريقة إلى وجهة علميَّة عالميَّة.